responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 425
المسألة الثالثة: قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها سُؤَالٌ عَنْ وَقْتِ قيام الساعة وقوله ثانياً:
يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها سُؤَالٌ عَنْ كُنْهِ ثِقَلِ السَّاعَةِ وَشِدَّتِهَا وَمَهَابَتِهَا، فَلَمْ يَلْزَمِ التَّكْرَارُ:
أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي.
وَأَجَابَ عَنِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ السُّؤَالَ الْأَوَّلَ كَانَ وَاقِعًا عَنْ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ. وَالسُّؤَالُ الثَّانِي كَانَ وَاقِعًا عَنْ مِقْدَارِ شِدَّتِهَا وَمَهَابَتِهَا، وَأَعْظَمُ أَسْمَاءِ اللَّه مَهَابَةً وَعَظَمَةً هُوَ قَوْلُهُ عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ مِقْدَارِ شِدَّةِ الْقِيَامَةِ الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى غَايَةِ الْمَهَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا اللَّه ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَخْفَيْتُ مَعْرِفَةَ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ عَنِ الخلق.

[سورة الأعراف (7) : آية 188]
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا أَيْ أَنَا لَا أَدَّعِي عِلْمَ الْغَيْبِ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [يونس: 48، 49] الثاني:
رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَلَا يُخْبِرُكَ رَبُّكَ بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ حَتَّى نَشْتَرِيَ فَنَرْبَحَ، وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تَجْدُبُ لِنَرْتَحِلَ إِلَى الْأَرْضِ الْخِصْبَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: الثَّالِثُ:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ جَاءَتْ رِيحٌ فِي الطَّرِيقِ فَفَرَّتِ الدَّوَابُّ مِنْهَا، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ رِفَاعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ فِيهِ غَيْظٌ لِلْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ انْظُرُوا أَيْنَ نَاقَتِي، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ مَعَ قَوْمِهِ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يُخْبِرُ عَنْ مَوْتِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يَعْرِفُ أَيْنَ نَاقَتُهُ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ. قَالُوا كَيْتَ وَكَيْتَ وَنَاقَتِي فِي هَذَا الشِّعْبِ قَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ» فَوَجَدَهَا عَلَى مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا طَالَبُوهُ بِالْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ وَطَالَبُوهُ بِإِعْطَاءِ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ وَالدَّوْلَةِ الْعَظِيمَةِ ذَكَرَ أَنَّ قُدْرَتَهُ قَاصِرَةٌ وَعِلْمَهُ قَلِيلٌ، وَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَبْدًا كَانَ كَذَلِكَ وَالْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ وَالْعِلْمُ الْمُحِيطُ لَيْسَا إِلَّا للَّه تَعَالَى، فَالْعَبْدُ كَيْفَ يَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْقُدْرَةُ، وَهَذَا الْعِلْمُ؟ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ وَالْإِيمَانُ نَفْعٌ وَالْكُفْرُ ضُرٌّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه سُبْحَانَهُ، وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى/ الْكُفْرِ إِنْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلْإِيمَانِ، فَخَالِقُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ يَكُونُ مُرِيدًا لِلْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْإِيمَانِ، فَخَالِقُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ يَكُونُ مُرِيدًا للكفر، وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْإِيمَانِ امْتَنَعَ صُدُورُ الْكُفْرِ عَنْهَا بَدَلًا عَنِ الْإِيمَانِ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِ دَاعِيَةٍ جَازِمَةٍ، فَخَالِقُ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ الْجَازِمَةِ يَكُونُ مُرِيدًا لِلْكُفْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضُرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 425
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست